17‏/5‏/2010

من يوميات طبيب نفسي!


في موعد عاجل ذهبت أزور الطبيب النفسي بحثًا عن مخرج من كآبتي التى تأصلت فأضحت أصيلة !
لست هنا بمعرض مناقشة حالتي النفسية فهي على الأرجح أسخف من أن تناقش أو أن تأخذ عضلة من عضلات عقولكم و هي بالطبع لا تساوي شيئًا إذا ما قورنت بالمصيبة الأصلية و المصائب التي منها تتفرع، في بلادنا أو بلاد الاغتراب.

في معرض حديثه سألني الطبيب الذي إلى حينه كنت الاستماع إليه استطيب، سألني إذا ما زلت أبحث عن شقة. أجبت بالإيجاب فتبرع بإطلاعي على تجربة لم أطلب الإطلاع عليها أصلًا!

قال الطبيب : “ منذ عشر سنوات اشتريت و زوجتي شقة في بيروت بقيمة ١٧٠ ألف دورلار. منذ يومين باع جاري شقته الملاصقة لشقتي ب ٧٥٠ ألف دولار. بس لأعطيك فكرة لوين رايحين ! “ أضاف ليضيف على كآبتي كآبة ! زاد من إحباطي المتصل أصلًا بمدينة أراها تركض و تركض دون أن أجد إلى اللحاق بها سبيلًا ... المدينة تتغير، قلت محاولًا تغيير الموضوع.
لكن للأطباء عامة إصرار موصوف، و طبيبي فيه بطل معروف... تابع حديثه:

“لي صديق استاذ اقتصاد قام و فريقه ببحث حول التوزيع الجغرافي لسكان بيروت بعد ٥٠ عامًا . النتائج مرعبة" . سكت و نظر في عيني منتظرًا مني تعقيبًا ما. امتنعت خوفًا على صحتي العقلية آملًا أن يعفيني طبيبي من معاناة قادمة ، و أنا القادم إليه أصلًا طمعًا في الخلاص من معاناة سابقة! لم يكترث و أصر على تبليغي بنتائج الدراسة العزيزة على قلبه و قلب صديقه، أكمل مقطبًا حاجبيه : “الدراسة تقول أن التوزيع السكاني في بيروت سيكون على النحو التالي :

١ وسط المدينة و الصيفي سيسكنه عرب معظمهم سعوديون(قلت في سري و ابن سعد الحريري في بيت الوسط).
٢ باقي بيروت سيسكنها إما أوروبيون أو لبنانيون يعملون خارج لبنان.
٣ أنا وأنت و من مثلنا سنسكن بالطبع خارج المدينة " ...

انتظر الطبيب رد فعلي على ما سمعت فابتسمت و قلت بسخرية : بطمنك أنا و أنت سنكون تحت سابع تراب بعد خمسين سنة!
قال و لكن أولادنا سيعانون !

العمى غريب أمره هذا الطبيب . أيحاول أن يدفعني للانتحار داخل مكتبه مثلًا أم أنها تجربة ما يقوم بها على أعصابي التالفة؟

أضاف : “ إسمع لقد قلت لصديقي بأن أولادى من بعدي سيملكون بيتي و عيادتي و لا خوف عليهم، فطمأنني بأنهم لن يقوواعلى دفع ضرائب هذه الشقق و سيضطرون لبيعها لمن هو أقدر منهم على الدفع ، إلا إذا هاجروا للعمل في الخليج" !
في هذه الأثناء أنهى الطبيب تحرير وصفته الطبية صافحني بحرارة و راح يستعد للقضاء على مريض آخر!

و بينما أنا في طريقي للخروج دخلت من بعدي سيدة ستسكن حتمًا في وسط المدينة هي و أولادها و أحفادها من بعدها حتى آبد الآبدين. آمين يا رب .

في السيارة العالقة في الزحمة الجنونية ، كان يجب أن أقرر. هل أتوجه إلى البيت في بيروت أم إلى البيت في الجبل .
إلى الجبل ، و باختياري و ليس بفعل تمييز سكاني اقتصادي حاصل و قادم.
اليوم في الجبل و غدًا في بيروت نكاية بسياسات آل الحريري و رب الحريري .

و تصبحون على بيروت!





هناك تعليق واحد:

  1. كل المدن تتغير تركيبة سكّانها. تفضل الى نيو يورك او لندن او برلين او دبي او... هذه حال العالم. سياسة الحريري ليست السبب الوحيد وإن شاركت في صنع الوضع الحالي. الاهم من هيك... شو نصحك الدكتور؟

    ردحذف