4‏/4‏/2010

من صُلب الصَلب.



لماذا إذًا لم يهرب الناصري من مشهد الصلب ؟
ربما لأنه كان يعرف الآتي تمام المعرفة.
ربما لأنه باتصاله الأعمق بنفسه، هو المتأمل بامتياز، انفصل عن قوانين الزمان و المكان. هكذا كان يقرأ الزمن كقرائته للحرف.
هذا القارئ كان يعرف انحناء خط الزمن في دوائر متكررة تستنسخ نفسها مرة بعد مرة و فيها كل حكمة ممكنة.
هكذا رأى الحدث من الدائرة السابقة و هكذا عرف القادم في دائرته .
هكذا أدرك أن في الشهادة على صليب الألم حكمة خارج اللحظة نفسها و لن يدركها إلا الأرواح العابرة للزمن.
هكذا عرف أنه صلب و لذا فسيصلب !
هكذا بإيمان العارف بأبدتيته سار إلى أبدية تعاليمه.المحبة.
لم يخف و لم يتردد لأن الموت له مجرد عبور إلى حيوات أخرى لربما كان أيضًا يعرفها. و لولا الضرب المبرح لكان حمل جسده و تسلق الصليب بنفسه . أكاد أتخيله منتشيًا في حالة من الحب المطلق يستحيل على أي ألم كسرها. الروح هنا مع الجسد
و عقلها في حضرة الله . العقل وحده عابر للأبعاد إن قيدت الروح بجسد. كان الناصري بيننا أما عقله فذهب يمتلئ نورًا !
من هناك نطق يطلب لهم المغفرة لأنهم لا يعرفون ما يفعلون . لو عرفوا أنهم إنما يصلبون أنفسهم لأحجموا ! أوليس لكل فعل ردة فعل مساوية له ؟ العقل المتلئ بالحب لا يفرق بين أم تنوح و جلاد بطعم الخل . فالحب هنا مطلق . الحب هنا حكيم .

ذهب الناصري . يعود في الدائرة القادمة . أما اليوم فأمته فقدت عقلها و يقودها الحقد و الخوف و الكراهية . مقدمات لاكتمال الدائرة الحالية . دورة كاملة !