بعد رفض مرجعيات (بل رجعيات) دينية في لبنان لمشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري، بحجة تعارض القانون مع الشريعة ، طالعتني على الفايسبوك حملة افتراضية لدعم حق المرأة في تطبيق هكذا قانون .
تقتضي الحملة إضافة إسم عائلة الأم على الإسم الثلاثي لكل شخص على الفايسبوك !
للوهلة الأولى قد يبدو الأمر لطيفًا ظريفًا و يساهم في دعم مشروع القانون المعني ... و لكن .
يفوت مطلقو و داعمو الحملة الافتراضية أنهم و بذلك إنما يغذون ثقافة خفية تقوم على التمييز و التفرقة،
و لو عن غير قصد أو دراية !
الإعلان عن الانتماء لعائلة الأم فضلًا عن الأب لا يفيد بشيء سوى إلصاق انتماء إضافي لكل شخص معني ... عشيرة إضافية فقط لا غير ! بماذا يفيد ذلك المرأة التي تتعرض للعنف ... هل اسم عائلتها سيحميها ؟ لا يفيدها بشيء طبعًا بل يضفي على المسألة بعدًا أعمق تمييزًا ... بين رجل و امرأة ... بين ذكر و أنثى !
في سعينا لتحقيق العدالة و المساواة بين الرجل و المرأة نقع دائمًا في خطأ قاتل مميت ... خطأ فرز المجتمع إلى فئتين : فئة الرجال و فئة النسوة ! هذا فرز مهين للمجتمع بأكمله لأنه إنما يدل على قصورٍ في فهم معني العدالة .
تمامًا كالقول بأن المرأة نصف المجتمع ! عبقرية فعلًا هالجملة ! المرأة نصف المجتمع . و كأن المجتمع الحي يمكن تجزئته !
الرجل و المرأة كل المجتمع ، والمجتمع المنقسم بين الاثنين مجتمع مريض مصيره الموت.
نحن الذين ندّعي أننا علمانيون تقدميون إصلاحيون وحدويون إنما نمارس التجزئة ببرائة محزنة . عواطف مش عقل !
نقع في الخطيئة إذ نواجه رجال الدين بوسائلهم الجاهلية ذاتها . كيف يجوز ذلك يا جماعة ؟
عوضًا عن التفريق بين الجنسين سعيًا لإحقاق الحق ، يجب اتباع الطريق الذي يدرك أن المجتمع لا يُقسّم،
بين رجل و امرأة أو طائفة و أخرى أو دين و آخر أو لون و غيره و لا حتى بين شباب و كهول و عجزة .
الحال واحد للجميع و لا يجوز الانطلاق من الجزء في إصلاح الكل .
قانون حماية المرأة من العنف الأسري إنما يجب أن يكون "قانون حماية الإنسان من العنف الأسري" و هو بطبيعة الحال سيعالج مشاكل المرأة الخاصة في هذا المجتمع الأبوي ولكن الحال يبقى أن هذا المجتمع الأبوي المريض هو الذي يتنازل و يمنحنا هكذا قانون.
المجتمع الأبوي المريض لا يواجه بالمزيد من الانقسام ، فهذا الانقسام إنما يفيده و هو يقتات منه ...
هو متجذر في تربيتنا لدرجة أننا لا نستطيع حتى التفكير خارج قواعده المطلقة ... لا بد من الانتباه لذلك و كسر هذه القواعد عبر الانطلاق من نقيضها : المجتمع كائن حي واحد لا يجزأ ...
واعذروا وقاحتي .