24‏/5‏/2011

أزمة القيم في الحدث السوري.


 مع بداية الاحداث في سوريا وبعد بضعة أيام من المراقبة قررت متأثرًا بعوامل عدة التضامن مع الأسد (مراجعة التدوين السابق) .
مضى على ذلك أسابيع مضنية لم أتوقف فيها عن المراقبة و التفاعل مع كم هائل من المعلومات قد يعجز دماغي المتواضع عن تحليلها أو حتى التأكد من صحتها و صدقها !
أعرف فقط أنني كنت دومًا أخضع موقفي لمجموعة قيم مكتسبة أعتقد بصحتها و صواب اتجاهها.
تحملوني قليلًا إن أطلت.
يمكن لي أن أختصر سلم القيم هذا بكلمة واحدة : فلسطين ! المصيبة أن كل المعضلة تكمن في هذه الكلمة. كيف ؟ ما هي فلسطين هذه ؟
فلسطين قيمة إنسانية بل هي قبلة القيم. إذ نقاتل من أجلها لا نقاتل من أجل قطعة من الأرض أو دين و إيمان غيبي . إننا نقاتل لأننا حمّلناها قيم الحرية و العدالة و المساواة و حق الاختيار و كل الخير و الجمال . نقاتل لأننا نؤمن بالتنوع في الأمة الواحدة ، بالاتحاد من أجل الإنسان ! قد تبدو هذه كلمات كبيرة و رنانة حد الاصطناع و لكنها تحمل فعلًا جوهرنا البشري. بهذا المعنى ليست فلسطين قضيتنا وحدنا بل قضية كل من التصق بإنسانيته ، و هي تحمل روح الأمة ليس لأنها جزء جغرافي منها بل لأنها تحمل قيمها . هذه القيم إن ماتت أو تغيرت ، ماتت فلسطين . هذا على الأقل إيماني العلمي .

إه و شو يعني ؟ لشو عم بتفلسف على الله تبعكن ؟
ببساطة ، أود لو تشاركوني التفكير في المعضلة لأن في المشاركة توزيع للحمل الثقيل .
إن كانت هذه قيمنا الحية، و إن كنا نستلهم منها مواقفنا و تفكيرنا، و إن كنا نعمل عبرها لتحقيق النصر الموعود (ليس بتحرير الأرض فحسب بل بتحرير التفكير)، كيف ندعم نظام الأسد أو نتضامن معه ؟
الرئيس الأسد اعترف بنفسه أن الأمن السوري ارتكب مجموعة من الأخطاء (ربما التوصيف الأدق هو جرائم). لم يعد من المقبول غض الطرف عن العنف الفائق الذي تمارسه قوى الأمن في سوريا و هو عنف لا يخدم النظام أبدًا . (الأرقام تشير إلى ما يقارب الألف شهيد)!
طيب عظيم .
إن أسقطنا هذه القيم على موقفنا مما يحدث في سوريا، نجد للوهلة الأولى أنه من السهل جدًا إتخاذ موقف واضح و شديد الصلابة! يجب إسقاط النظام كخطوة أولى نحو تحقيق هذه القيم و استعادة فلسطين في نهاية المطاف.
هذا الموقف المبدئي لمن يعارض هذا النظام باعتدال أو شدة أو نعومة...

... ولكن .

إن قاربنا المسألة من زاوية أخرى قد نجد أنفسنا في الموقع ذاته. كيف ؟
إن معارضي النظام ، أو معظمهم، يرفضون الاعتراف بوجود جماعات مسلحة (يبدو أنها صاحبة فكر تكفيري) تنشط منذ بداية الأحداث ! هم يتجاهلون سقوط أكثر من ٣٠٠ شهيد من الجيش السوري ، سقطوا بالرصاص و ليس بالياسمين ( و يبدو أن عدد الجرحى مخيف) ! هم يتجاهلون الدور السعودي البارز في تحريك هذه المجموعات . يسمونها بالبعبع . أي أنهم يسقطون عليها صفة الخيال ! هذا طبعًا اجتزاء للواقع .
معارضو النظام ، أو قل معظمهم ، اختاروا تجاهل انقضاض ما يسمى بالمجتمع الدولي (فلنسمه أميريكا اختصاراً)على الرئيس في محاولة ابتزاز واضحة. “نفذ ما نريد و إلا فسنسقطك" ...
ماذا يريد الأميركيون بالتحديد ؟ إختصارًا أيضًا نقول : “أمن إسرائيل فوق كل اعتبار" ...هذا بالطبع تبسيط و لكنه يختصر الموقف ...
برأيي يسقط من يتجاهل هذه المعطيات في فخ انهيار القيم أيضًا ! لأن هذه الطريق حتمًا لا تذهب إلى فلسطين، كون القوى المتورطة فيها كمجلس التعاون الخليجي و أميريكا هي قوى معادية ، أو على الأقل غير صديقة . بمعنـى أن مشروعها و رؤيتها للمنطقة نقيض مشروعنا التحريري التحرري .
طب شو يعني ؟ دوامة من العنف لا تنتهي و خسارة لبوصلة الأخلاق الأساسية و القيم الجاذبة ؟
نعم ، نحن تمامًا في هذا الموقف ! إن وقفنا ضد النظام سقطنا و إن وقفنا معه سقطنا أكثر !

لقد تابعت عن قرب نقاشات السوريين على الصفحات الافتراضية . ما قرأته لا يبشر بأي خير و لا يبني إلا لمستقبل أسود.
تخوين و تخوين مضاد. شوفينية و مثلها مضادة . لا حوار بل تبادل شتائم . كلٌ ينطلق من زاوية أحادية الرؤية و يجتزئ الواقع!
طبعًا ليس ما يجري بسيطًا و المأساة كبرى و لكن حقيقة الأمر أن الانطلاق من عاطفة في بناء الحكم إنما ينتج ديكتاتورية أخرى بديلة ... لا بد من التروي ! والله !
تعو ناخذ نفس طويل رغمًا عن أنف القتل . هل من مخرج ؟

رأيي أن الحل ممكن ، ولكنه يحتاج حتمًا لتنازلات جذرية من النظام (هي ليست بتنازلات بل بحق طبيعي للسورريين) ، و لنية في الحوار من معارضيه (أولئك الذين في الشارع و في البيوت) . رغم القتل نعم و للأسف !
بالآخر نحنا بدنا ناكل عنب .
و لكي نأكل العنب لا بد من ناطور ... و الناطور يقف مع المعارضة في مطالبها الإصلاحية وضدها في مقاربتها لموضوع الحوار.
هو يقف ضد النظام في عنفه و أحاديته وطريقة حكمه المتخلفة و معه في سياسته تجاه إسرائيل و أميريكا !
الناطور يضغط من أجل الإصلاح (هو في الحقيقة تغيير جذري) و يساعد في تحقيقه عبر الحوار.
والناطور هذا هو من يتمكن من المحافظة على سلم القيم آنفة الذكر و يفعل عبرها ... بوصلته فلسطين و قبلته دمشق .
الناطور يساعد الأسد ضد نظامه . باختصار ووضوح.
هو ذاق طعم قمع النظام و هو حاز على ثقته أيضًا !
ليس هذا كلامًا في الفراغ و هنالك من هو مؤهل للعب هذا الدور ... لكنه حتى الآن مستقيل !




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق