18‏/12‏/2008

من خطف أدونيس ٣ ؟


لا يمكنني أن أعود بذاكرة أدونيس ألى طفولته كوني لا أعرفه كافي المعرفة، و لكنني حتمًا أعرف، بحكم التجربة و الحياة بعض الأمور التي لا بد و أنه قد مر بها

هنالك العديد من الأحداث التي شكلت ذاكرة و عواطف القوميين في السنوات القليلة الماضية ، و لكني أجد من العبث فصلها تمامًا عن ذاكرتهم التاريخية

إن استشهاد سعادة و إعدامه بل اغتياله ، و أسلوبه الخاص في استقبال الموت ، ثم التربية التي نتلقاها نحن القوميون الإجتماعيون إنما تجعلنا مشاريع شهداء، خاصة ً إذا ما شعرنا بتهديد يتربص بالحزب

فترات الإضطهاد القاسية التي مر بها الحزب منذ التأسيس جعلت ، من المحازبين كتلة متراصّة كذرّات الفولاذ ، و من ردات أفعالهم تجاه أي اضطهاد محتمل ، ردات فعل يشوبها الكثير من عواطف الثورة و التحدي

كل هذه ذكريات لم يعشها معظمنا و لكنها محفورة في الهيبوكامبوس بقوة و ارتداداتها في الأميغدالا ارتدادات واضحة

أما في ما يخص التاريخ الأحدث ، أي منذ اغتيال الشهيد الحريري حتى اليوم ، فإن الأحداث التي راكمت لدى القوميين غضبًا مزمنًا ، تكاد لا تعد و لا تحصى

فور الإغتيال جعل البعض يتهمون الحزب بتنفيذه ، و توالت الإتهامات حتى اعتقل قوميون في الكورة بطريقة بشعة في ليل ٍ حالك ، ثم ظهرت محاولات لاتهام الحزب باغتيال بيار الجميل ، ومرت على القوميين أسابيع قاسية كان منسوب الغضب يرتفع خلالها يومًا بعد يوم ليجيء اتهام الحزب بتفجير باص عين علق ويسكب الزيت على النار.

بات واضحًا يومها نية السلطة المعلنة في استهداف الحزب حتى إلغائه ، و راح تيار المستقبل خاصة ً يحفر لنفسه مكانًا مظلمًا في ذاكرة القوميين، ليس إحراق مكتب الحزب في الطريق الجديدة ،في هستيريا جماعية، إلا تأكيد على ظلامه

أضحت عبارة "تيار المستقبل" كفيلة وحدها بإطلاق كيميائيات الغضب لدى معظمنا خاصة بعد محاصرة ميليشيا فرع المعلومات لمركز الحزب الرئيسي في الروشة بنية اقتحامه

تعرض الكثيرون لاعتقالات غبية و جرت محاولات اغتيال عدّة لعلّ أبرزها حادثة إطلاق النار على أياد عبد الخالق في صوفر .

بعد كل هذا جاءت مجزرة حلبا . للمجزرة وقع خاص على ذاكرة القوميين لأن فعل القتل و التنكيل تناقلته الهواتف المحمولة يومها. من لم يمت بالرصاص تكفلت به أحجار الخفان و من وصل المستشفى عذّب فيها حتى لفظ أنفاسه ، وعلى ذلك شهود

هذه صور لا زالت حية و لا بد أن لكل هذه الأحداث مكانها العميق في الهيبوكامبوس و هي طازجة لم تضعف بفعل الزمن و تأثيرها حاضر متوهج

إذ أسرد كل هذا إنما أسعى للإحاطة ببعض من انفعالات أدونيس يوم واقعة الحمرا الشهيرة . في تفاصيل الواقعة فإن لوحة الشهيد خالد علوان كانت قد تعرضت لاعتداءات عدّة من قبل مناصري المستقبل ، و ما تواجد أدونيس عندها إلا محاولة للدفاع عنها بعد تسرب معلومات عن نية ٍ لإزالتها

عقل أدونيس كان يدافع عن تاريخ الحزب . عن وجوده . عن عقيدة المقاومة و هوية المكان . فجأة يظهر الإعلامي الحرقوص و قد تسلح بكاميرا لم يستخدمها بل راح يصور القوميين المتواجدين في المكان بهاتفه الخلوي و كأنه يتعمد غرس الشوك في الأميغدالا

أقول أن صورة الحرقوص اليساري المستقبلي و فعله المستفز أطلق كيميائيات الغضب لدى أدونيس المستنفر أصلًا . قارن الهيبوكامبوس أفعال الحرقوص بكل الأحداث السابقة (لأنه في السياسية نقيض لأدونيس) ، و استرجعت الأميغدالا كل الغضب الموازي لها ، فاستشعرت خطرًا و أطلقت آلية الاختطاف العصبي . حصل ما حصل . هذا تحليلي

أرجو ألا يبحث أحدكم بين هذه الأسطر عن تبرير لما حصل فهذا آخر المبتغى عندي . إني فقط أبحث معكم عن وسائل لمكافحة الغضب عبر فهم آلياته المعقدة و أشارككم أفكاري لأن في المشاركة إفادة . إني لست أرى في فعل أدونيس عقلًا بل انفعالًا بعيدًا عن أي فائدة (عذرًا رفيقي الحبيب). و أرى في تربيتنا فجوات ضخمة مفتوحة على الخطأ .
أعرف أن أدونيس لا بد يقبع في زنزانة باردة و لكني أرى من واجبي البوح بمكنوناتي بعد مرور الوقت الكافي على الحادثة، و إن أشعل بوحي لديكم غضبًا فتريّثوا و ابحثوا في أسبابه أولًا فالطريق إلى التغيير طريق فيه الكثير من التأني و في التأني السلامة

هذه نظريتي المفتوحة طبعًا على الانتقاد و يبقى أن أسجل عجبي من ردات الفعل التي تلت الحادثة (على الفايسبوك الملعون) ، سواء لدينا أو لدى أصدقاء الحرقوص و من لف لفه من اليسار المتمقرط ، و لي في ذلك حديث كئيب لا بد و سيأتي

أما الآن فإلى المستقبل و لا تغضبوا مني أو من غيري و لتحي الأميغدالا







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق